فصل: فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومن جملة الفيء، مال المرتد إذا قتل على الردة.
ومال الكافر غنيمة، إن كان وصوله إلينا بقهره وقتله، فإن مات من غير قتال، فوجدنا ماله فهو فيء.
وإذا ثبت القول في أربعة أخماس الفيء والغنيمة فنقول:
أما الخمس، فإن الذي لا خلاف فيه، أن لليتامى والمساكين وابن السبيل حقا باقيا في خمس الغنيمة.
واختلف الناس بعد الثلاثة في قوله: {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى}.
فأما قوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}، فأكثر العلماء على أنه استفتاح كلام، وأن للّه تعالى الدنيا والآخرة.
وروى الطحاوي عن أبي العالية، أن سهم اللّه تعالى مصروف في نفقات الكعبة، والذي ذكره بعيد، فإنا إن أقررنا سهما للّه تعالى، أدى ذلك إلى أن يكون الخمس مقسوما على ستة، فعلى هذا يجب أن نقول: فأن للّه سدسه، ولأنه ليس بأن يجب صرفه إلى بيت اللّه تعالى بأولى من صرفه إلى أولياء اللّه.
نعم قد قال تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}، يعني كل ذلك الخمس يصرفه فيما شاء، وأراد لا أن له البعض دون البعض، ولا يجوز أن يعتقد من الإطلاق، كون مال الفيء مشتركا بين اللّه وبين غيره.
وأما سهم الرسول، فقد كان له الخمس من خمس الغنيمة، فيصرفه في كفاية أولاده ونسائه، ويدخر من ذلك قوت سنة، وما يفضل يصرفه إلى الكراع والسلاح وغير ذلك من المصالح.
وقال الشعبي: ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يطلب من الغنائم لنفسه شيئا قط، إلا الصفي من المغنم، وهو ما كان يتناوله من عبد أو أمة أو فرس.
حكى الطحاوي ذلك عن الشعبي، وذكر عنه أن سهمه من الغنيمة، كان كسهم رجل من المسلمين وراء ما خص به من الصفي.
والظاهر يدل على أن الخمس مشترك بين رسول اللّه وبينهم، ولا يمكن أن يقال إن الصفي من جملة ذلك، فإن الصفي كان يتناوله من جملة الغنيمة قبل القسمة، فهو حق، سوى هذا الخمس المذكور.
ولرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا حضر الوقعة، ما لسائر من حضرها من أربعة أخماس الغنيمة.
واختلفوا في سهمه، فقال الطحاوي:
إن طائفة قالت: هو للخليفة بعده.
وقالت أخرى: يصرف في الحمل والعدة في سبيل اللّه.
وطائفة قالت: بل زال بموته.
ولا يدل الظاهر على أكثر من استحقاقه في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، ولا يدل على مصرف من هذه المصارف بعده.
وقد دل الدليل، على أن ملك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم المستقر في حالة حياته، لا يورث عنه، فلأن لا يورث عنه ما يتجدد من الغنيمة، ولا يوجد سبب ملكه أولى.
ولا دليل على قيام الإمام مقامه بعده، لأنه اختص به لمنصب النبوة، كما اختص بالصفي من المغنم، وأقرب شيء يتخيل فيه صرفه في الكراع والسلاح، بدلالة أنه عليه السلام كان يصرف الفاضل من الخمس في هذا الوجه.
والجواب: أنه كان يصرفه اختيارا لا استحقاقا، ولو ثبت أنه كان يصرفه إلى هذا الوجه استحقاقا، لقرب أن يقال: إن الأولى بهذا السهم هذا الوجه، فعلى هذا الأقرب، أنه يصرف خمس الخمس إلى الباقين، قياسا على الصدقة الواجب صرفها إلى الأصناف، إذا تعذر صنف وجب صرفه إلى الباقين.
فعلى هذا قال الشافعي: يقسم الخمس بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أربعة، وهذا مذهب الشافعي، فإنه قال: إن لبني هاشم وبني عبد المطلب سهما من الخمس.
وقال أبو حنيفة: يقسم الخمس على ثلاثة أسهم: على اليتامى والمساكين وابن السبيل.
وخالفه أبو يوسف.
وقال قائلون: هو لفقرائهم عوضا عما حرموا من الصدقة.
وقال آخرون: هو للفقراء والأغنياء منهم.
ثم إن الذين أثبتوا لهم الاستحقاق اختلفوا:
فمنهم من قال: يقسم قسمة الغنيمة على التساوي.
ومنهم من قال: يقسم كقسمة المواريث، فإنه مال مستحق بالقرابة.
والظاهر تعلق الاستحقاق بالقرابة، إلا أن القرآن ورد بذكر ذي القربى، وقد صار بعض السلف لأجله، إلى أنه لجميع قريش، وثبت أنه عليه الصلاة والسلام لم يعط من ذلك من انتمى إليه باقرابه مطلقا، والمراد به الخصوص، وليس يتأتى تعليله بالقرابة المطلقة، لأن سعيد بن المسيب، روى عن جبير بن مطعم، أنه وعثمان جاءا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يكلمانه فيما قسمه من خمس الخمس بين بني هاشم وبني المطلب، فقالا: يا رسول اللّه، قسمت لإخواننا بني المطلب وقرابتنا وقرابتهم واحدة، فقال: «إنما أرى هاشما والمطلب شيئا واحدا».
وروى أنه قال: «إن بني المطلب لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام».
فلم يعط لبني أمية ولا لبني نوفل شيئا، وقرابتهم كقرابة بني المطلب، وهذا يدل على التخصيص.
فعلى هذا، رأى أبو حنيفة استحقاقهم بالنصرة في حياة رسول اللّه.
وقال آخرون: لا بل لا استحقاق لهم إلا بالفقر، إلا أن ذكر ذوي القربى مع أن الفقر مستقل، كذكر اليتامى، ولا يصرف إلى اليتامى إلا إذا كانوا فقراء، ولا فرق... ولا معنى لقول من يقول: إن اليتم عبارة عن الحاجة، فإن اليتم عبارة عن الحاجة إلى الكافل لا إلى المال، وليس في اسم اليتم ما يدل على عدم المال، ولعلهم يقولون:
إنما ذكر ذوي القربى مع أن الفقر شرط، حتى لا يتوهم متوهم، أنهم كما فارقوا الفقراء من المسلمين في أن لا تصرف الصدقات إليهم مع الفقر، فكذلك الخمس، فقطع الشرع هذا الاحتمال، وهذا محتمل، ويصرف إلى اليتامى مع أن الفقر شرط، والمقصود من ذكره أن الخمس يقسم على أربعة أسهم عند الشافعي، وعلى ثلاثة عند أبي حنيفة، ولابد من الصرف إلى هذه الأجناس.
والمقصود من ذكرها مع اشتراط الفقر فيها، تعديد جهات الحاجات واستيعابها، فأما الأربعة أخماس، فظاهر القرآن يقتضي أنها لمن غنمه.
وقوله: {أَنَّما غَنِمْتُمْ}: يشتمل الرقاب والعقار، إلا أن الرقاب الخيرة فيها إلى الإمام بلا خلاف، وفي الديار اختلف العلماء فيها.
وليس في كتاب اللّه تعالى تفضيل للفارس على الراجل، بل فيه أنهما على سواء.
وفي المأخوذ على جهة التلصص، اتفق العلماء على أنه لا تخميس، وظاهر القرآن يقتضي تخميس كل مغنوم، وذلك يستوي فيه هذا وما سواه.
وظاهر اللفظ أيضا يقتضى التسوية فيه بين الصبي والبالغ، إلا أن الدليل قام على أن الصبي يرضخ له.
واعلم أن ظاهر قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ}، ربما لا يظهر عند الناس في تعارف اللغة، أن من استولى على مثله فقد غنمه، وأنه يصرف خمسه إلى كذا وكذا، في أن الحرية تسلب عن المسترق، وإنما ظهر ذلك بعرف الشرع، وعرف الشرع دل على أن الغنيمة اسم للمأخوذ من الكفار بطريق القهر، ولا يدل على أخذ أنفسهم من حيث عرف اللغة، وفي الشرع، الإمام على التخيير بين الخلال التي بينها الفقهاء.
قوله تعالى: {إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا}، الآية 45:
الأمر بالثبات تقدم بيانه عند النهي عن القرار من الزحف، إلا على تفصيل ذكرناه، وقوله: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا}: يحتمل الذكر بالقلب، وذلك بأحد وجهين:
إما بتذكر ما عند اللّه تعالى من ثواب المجاهدين، وتهوين أمر الدنيا في جنب ما عند اللّه تعالى.
والثاني: ذكر دلائله ونعمه وما يستحقه اللّه تعالى على عباده من بذل المهج في مرضاته، وأنهم وإن بلغوا الغاية في طاعته، فلا يبلغ كنه جلاله، وكل ذلك مما يعين على الصبر والثبات، ويستمد بها النصر من اللّه تعالى، والجرأة على العدو والاستهانة بهم.
قوله تعالى: {وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا}، الآية 46: نهى عن الاختلاف المؤدي إلى الفشل وجرأة العدو.
وقوله تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ}.
أبان أن المقصود من التنكيل بالأسر، زجر من سواهم، ولأجله شرعت العقوبات، ولأجله أمر الصديق بالتنكيل بأهل الردة، وإحراق بعضهم بالنيران، ورمي بعضهم من رؤوس الجبال، وطرحهم في الآبار.
قوله تعالى: {وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ}، الآية 58:
أباح اللّه لرسوله إذا توقع من أعدائه غائلة من مكر، أن ينبذ إليهم على سواء، حتى لا يقول المبطل: إنك نقضت العهد بنصب الحرب، ولم ينبذ إلى أهل مكة عهودهم، بل غزاهم نبذا، لأنهم كانوا نقضوا العهد، لمعاونة هذيل على خزاعة حلفاء النبي، ولذلك جاء أبو سفيان إلى المدينة يسأل تجديد العهد بينه وبين قريش، فلم يجبه الرسول عليه الصلاة والسلام إلى ذلك، فلأجل ذلك لم يحتج إلى النبذ إليهم، إذ كانوا أظهروا نقض العهد بنصب الحرب لحلفاء الرسول عليه الصلاة والسلام.
قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ}، الآية: 60:
هو الأمر بالاستعداد للعدو، وبإعداد الكراع والسلاح قبل وقت القتال إرهابا للعدو، والتقدم في ارتباط الخيل استعدادا لقتال المشركين، ومنه أخذ إعداد الأموال والخزائن لحاجة المسلمين إليها يوم القتال.
قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها}، الآية 61: منسوخ بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}، و{قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} وهو الظاهر.
فإن سورة براءة، آخر ما نزلت، فكان العهد بين رسول اللّه والمشركين قبل ذلك، وقد قال تعالى: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ}.
فنهى عن المسالمة عند القوة على قهر العدو وقتلهم، ولذلك قال بعض أصحابنا: إذا قدر بعض أهل الثغور على قتال العدو لم يجز مسالمتهم، قالوا: وإن قدروا بعد ذلك على قتالهم، نبذوا إليهم على سواء إن توقعوا منهم غائلة، وإن لم يمكنهم دفع العدو عن أنفسهم إلا بمال يبذلونه لهم، جاز لهم ذلك، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قد كان صالح عيينة بن حصن وغيره يوم الأحزاب على نصف ثمار المدينة، حتى إنه لما شاور الأنصار، قالوا: هذا مما أمرك اللّه به أم الرأي والمكيدة؟ فقال: لا بل هو رأي، لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحد، فأردت أن أدفعه عنكم إلى يوم، فقال السعدان: سعد بن عبادة وسعد بن معاذ رضي اللّه عنهما: واللّه يا رسول اللّه إنهم لم يطمعوا فيها منا إلا بشراء أو قراء، ونحن كفار، فكيف وقد أعزنا اللّه تعالى بالإسلام، ولا نعطيهم إلا بالسيف، وشقا الصحيفة.
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ}، الآية وقوله تعالى: {وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا}.
وعلم اللّه تعالى سابق أزلي، فمعناه أن اللّه تعالى بيّن أن الواحد في ابتداء الإسلام يفي بعشرة لأمور:
منها: النصرة منه تعالى.
ومنها: الصبر والقوة.
ومنها: قوة النية والبصيرة.
ثم بعد زمان نسخ ذلك لنقصان القوة في الدين، وضعف النية في محاربة المشركين.
فهذا معنى قوله: {وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا}.
فقوله تعالى: {الآن}، دخل في ضعف الناس لا في علم اللّه تعالى.
قوله تعالى: {ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الآية: 67].
وذلك يدل على أن العدول عن القتل إلى الأسر حرام على كل نبي، حتى يكثر القتل منه، فتحصل هيبته في القلوب، وتمتلئ النفوس منه رعبا، فإذا أثخن في الأرض بالإكثار من القتل، يجوز أن يكون له أسرى، فدل من هذا الوجه، أن الجهاد من تكليف سائر الأنبياء، فلذلك عمهم تعالى به.
وقال قائلون: كأن اللّه تعالى أمرهم بإكثار القتل بقوله: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ}، لكي يعظم الرعب في قلوبهم، فيكفهم ذلك عن المحاربة، ويميل بهم إلى الإسلام والمسالمة.
فأبى أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدر، إلا أسر بعضهم رغبة في الفداء، فصار ذلك معصية منهم ومخالفة.